هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فـرحــة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
The-Mor
فـرحــة 38596410
فـرحــة Ua537611
The-Mor


الجنس : ذكر
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
عدد المساهمات : 168
نقاط : 350
البلد : فـرحــة 710
المدينة المدينة : أكادير CPH
الهواية : السفر
المزاج : فـرحــة Pi-ca-24
الأوسمة الإدارة

فـرحــة Empty
مُساهمةموضوع: فـرحــة   فـرحــة I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 29, 2009 6:55 pm


ذهبت إلى شلاّل, ولم أكن من قبل قد ذهبت إلى
شلاّل. كنت أحب وكنت سعيدًا.


جاءني الحب بعد حزن, بعد أن فقدت أحبّة رحلوا,
وبعد أن خسرت حبيبة.


صارت الحياة صمتًا, وذويت عودًا جافّا. رحت
أنتظر النهاية دون خوف ولا دهشة. ثم جاءني الحب.


جاء فاخضرت الأشجار, واستيقظ في قلب الشتاء
ربيع, ثم واعدتني حبيبتي أن تلقاني عند الماء.


ركبت قطارًا, واجتزت جبالاً ومراعي وأنهارًا.
رأيت جبالاً تكسوها الثلوج, في سفوحها الأشجار خضر, وفي أعاليها ترتدي ثياب عرس
بيضاء من الثلج. مواكب من تلك الأعراس لا تنتهي تمر أمام عيني. ورأيت الثلج في
القمم البعيدة يبرق تحت شمس وانية بلون وردي ناعم, ورأيت في الكون نعمة.


عندما نزلت من القطار في البلدة الصغيرة, لم
أسأل عن الشلال. كان هديره الهائل هناك يدعوني. طنينه يوجه خطوي, ونداؤه الآمر
يحدوني. قادني الصوت عبر طرق متعرجة تخلو من الناس, وكانت هناك شمس ترقد كسلى في
حضن سحب خفيفة بيضاء.


أخيرًا وجدت نفسي أمام النهر, فأوقفتني الدهشة.
لم أر الشلال.. لم أر نهرًا عنيفًا ولا سريعًا, بل مجرى من مياه خضراء ساكنة
بلون الأشجار التي تحف بالشاطئين. لا تبدو لتلك المياه حركة إلاّ حين تصطدم
بجنادل من صخور سوداء متتابعة. تترقرق أمواج هادئة فتصنع حول تلك الصخور فقاعات
من زبد. لا شيء ينذر بانفجار أو بشلال سوى ذلك الصخب المدوي الذي يدعوني إلى أن
أستمر مع المجرى في اتجاه صخرةٍ عاليةٍ تتوسط النهر كانت تشبه رأسًا بلا ملامح
ينهض فوق صدر جبار, ولكن من وراء الصخرة لم يكن هناك غير جبل آخر بعيد مزروع
بالأشجار. توجهت نحوها, وكانت الجنادل تتتابع الآن على مسافات أقرب, والزبد
الأبيض يتكاثر حولها ويالي في حبيبات فوارة:


ثم فجأة, حين إبلغ تلك الصخرة يتجمد خطوي ويشهق
الكون كله من حولي.


فجأة, يصبح النهر كله زبدًا موّارًا متدافعًا
قبل أن تعلو قبة شاهقة من الماء يهوي النهر كله معها نحو الأسفل متلاطمًا
وصارخًا ومدوّمًا وملوّنًا, وقوس قزح كامل يحف به واضحًا في تمامه ويرمي ألوان
الطيف كلها على الشلال الذي يولد بغتة من ماء أخضر وزبد أبيض ليندفع إلى الأسفل
في قباب صاخبة تتلون بهالات من اللون الأحمر واللون الأصفر, تتفتت في لحظة
مولدها وتتعاقب جرّارة متدافعة لتصنع قوسًا ينأى عن حائط الصخور الرمادية الصلدة
التي حطمها الشلال ليصنع في الأسفل تلك البحيرة الصغيرة التي يهوي الآن إليها,
ويطلق صرخته الأبدية.


وكنت وحيدًا أمام الصخرة, يتخللني الشلال
بأصواته وألوانه. لم يكن سوانا ولم يكن غير الهدير الأبدي, وقد عدنا إلى لحظة
الخلق قبل ملايين السنين عندما لم يكن هناك بشر ولا حيوان, عندما سحق النهر تلك
الصخور التي تحبس مجراه ليتحرر شلالاً يبعث صرخة الصخر وصرخة الأرض لتلك النجوم
والمجرات البعيدة التي انفصلت عنها, نداء الأرض لأن تعود إلى رحم الكون الذي
فارقته. وكنت لحظتها والشلال واحدًا, يهدر قلبي معه, ننادي معًا, لا نريد تلك العزلة
والبعد, نريد أن نعود, أن نعود...


وكنت أهبط درجًا حجريًّا أمام الشلال, أهبط معه
نحو البحيرة, وحين وصلت هناك وعيني لا تفارق الماء المتدفق في مهرجان ألوانه
وغنائه ربتت يدٌ على كتفي, وحين التفتّ وجدتها, وكانت تبتسم.


ضممتها إليّ كأني أريد أن أدخِلها في جلدي, كأني
أريد أيضًا أن نصبح واحدًا أنا وهي والشلال والكون.


كان رذاذ الماء الذي ينثره الشلال يضرب وجهها
وشعرها, وكنت أشعر به أيضًا يغمر وجهي. ولما احتضنت ثوبها المبتل بيديّ
المبللتين همست في صدري: نعم, أحتاج إلى أن تدفئني.


ومن خلفها وهي بين ذراعيّ كانت دوامة الشلال
تعصف بالبحيرة. كانت تنكسر وتتفتت حين تضرب السطح فتتصاعد منها مراوح متعاقبة من
رذاذ فضي شفاف, كطواويس بيضاء تفرد ذيولها الناصعة وتطويها في لمح البصر.


همست مرة أخرى في صدري: كنت أعرف أن هذا الشلال
سيفتنك, ولكن قل شيئًا.


كنا مبتلين تمامًا, لكنا لم نتحرك.

هزت يدي وقالت: تكلم!

وكنت أحتضنها بيدي وأحتضن الشلال بعينيّ وأنا
أغمغم:


- لماذا لا يكون الآن هو الأبد?

فرفعت نحوي وجهها الجميل, وقالت وكلها بسمة:

- ولكنه هو

1998


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فـرحــة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الأدبية :: منتدى القصص القصيرة-
انتقل الى: